هزم العرب في بيتهم

هزم العرب في بيتهم

بقلم : عمر حلمي الغول

رام الله 2020/11 شبكة فلسطين المستقبل.

هناك احداث ذات دلالات هامة في مسيرورة وصيرورة الشعوب، وغالبا تكون نتاج تراكم كمي لسياق سياسي او إجتماعي وإقتصادي أو ثقافي، ومع وقوعها تكون بمثابة القشة التي تقسم ظهر البعير، وتحدث تحولا نوعيا وفقا لطبيعة وأهمية الحدث. كان أمس الأربعاء الموافق التاسع من ايلول / سبتمبر 2020 محطة حزينة وبائسة في تاريخ الأمة العربية، عندما تواطأت بعض الأنظمة العربية المركزية في المنظومة الرسمية مع نظام محمد بن زايد الضبياني، ورفضوا تمرير مشروع القرار الفلسطيني، الذي يدين التطبيع المجاني الإماراتي الإسرائيلي في إجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية العادي، والذي عقد عبر آلية الفيديو كونفرس.
نعم كان يوما اسودا جديدا في تاريخ الأمة العربية، حيث قوض العرب الرسميون خطوط دفاعهم القومية، وهزموا ذاتهم بأيديهم، وبقراراتهم الرخيصة والمتساوقة مع العدو الصهيو أميركي، وتخلوا عمليا وعلى الأرض عن مبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والقرارات الأممية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الصهيوني. وهذا التخلي سيكون له بالضرورة تداعيات أعمق وأخطر على مستقبل القضية الفلسطينية، ومصالح وحقوق الفلسطينيين، وعلى الأمن القومي العربي برمته. لإن حلقات النظام الرسمي العربية سينفرط عقدها، وتتدحرج تلك الحلقات كحبات المسبحة مع التخلي الرسمي العربي عن محددات وركائز السياسة العربية، التي تضمنها ميثاق وقرارات جامعة الدول العربية، وقممها المتعاقبة من 1945 حتى الأمس.
معاول الرسميون العرب امس الأربعاء التاسع من ايلول دكت جدران المبني الرسمي العربي، وأنهارت بأيديهم، وبإرادتهم المسلوبة والمستباحة، وبإرتهانهم لمشيئة وإملاءات إدارتي ترامب ونتنياهو ومن لف لفهم. ورغم صدور البيان السياسي الباهت، الذي اكدوا فيه على تمسكهم ب”مبادرة السلام العربية”، و”محدداتها” الأربعة، بيد ان الحقيقة الناصعة، والتي لا يغطيها غربال، ولا اوراق التوت المتآكلة تقول، انهم فقدوا المصداقية مع ذاتهم، ومع شعوبهم، ومع القيادة والشعب العربي الفلسطيني، ومع وامام العالم الإسلامي وكل شعوب الأرض. لإن من يتمسك بمبادرة السلام العربية، لا يتخاذل، ولا يتردد للحظة في إدانة وملاحقة دولة الإمارات المتحدة والحاكم الفعلي، محمد بن زايد وعصابته، وفضح خيار التطبيع المجاني مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، ومواجهة صفقة العار الترامبية.
غير ان المقولة السياسية والإجتماعية تقول: إن لم تستح فإفعل ما شئت!، هكذا هو حال اهل النظام الرسمي العربي، ولا اقول الجماهير الشعبية العربية، ولا نخبها السياسية والثقافية والفنية والإعلامية والإقتصادية الوطنية والقومية والتقدمية، لإن هناك فرق شاسع بين المستويين، فَجلْ أهل النظام السياسي تخلوا عن الثوابت السياسية العربية، وباعوا قضيتهم المركزية بأبخس الأثمان، وبمزاد علني لصالح مشروع الصفقة الفضيحة والمؤامرة، والمشروع الصهيوني لإصحابه طغم رأس المال المالي العالمي. اما الجماهير العربية ونخبها من كل المجالات كانت، ومازالت الحاضنة الدافئة للقضية الفلسطينية، وهذا ما اكدته وكالات انباء عالمية ومحطات فضائية أميركية ك CNN وBBC ومحطات وقنوات فضائية إسرائيلية منها “مكان” والقناة ال13 .. إلخ عبر إستطلاعات رأي في الساحات العربية المختلفة، كانت نتيجتها، ان ما يزيد عن 80% بالمتوسط العام من العرب يرفضون التطبيع المجاني، وهو ما يعزز القناعة لدى الشعب والقيادة الفلسطينية، ان رهانهم على شعوبهم العربية، كان رهانا صحيحا 100%، وسيبقى هذا العامل محل إعتزاز وإفتخار، لإنه شكل وسيشكل رافعة اساسية للنضال الوطني الفلسطيني. الأمر الذي يفرض على القيادة الفلسطينية إيلاء هذا العامل الحيوي الإهتمام المطلوب، والذي شكل حتى الآن حائلا مؤقتا امام تورط مباشر لبعض الدول العربية مع خيار محمد بن زايد، إلآ إذا حصلت تطورات غير منظورة عربيا.
مع ذلك، لست مع التيار الذي ينادي بالإنسحاب من جامعة الدول العربية الآن، وادعو للبقاء فيها، ولا اتبنى خيار، ان تكون فلسطين اول المنسحبين من مؤسستها، بل يجب البقاء فيها، والعمل مع بعض العرب على ترميمها، وإستنهاضها “إن امكن”. رغم معرفتي ويقيني بما سيكون عليه مستقبل الجامعة، غير اني ارى اعطاء الذات الوطنية فرصة للعمل في دائرة النظام الرسمي لوقف أية انهيارات قادمة، وإختيار لحظة مناسبة اخرى لهكذا توجه، لا سيما وان هناك انظمة شئنا ام ابينا ذاهبة إلى ذات المآل، الذي تورطت وسقطت فيه الإمارات المتحدة، وفي المستقبل المنظور سيكون هناك تخلي مباشر من العرب عن مبادرة السلام العربية رسميا. عندئذ يمكن للقيادة الفلسطينية القول: باي باي للجامعة ولإنظمة الردة والهزيمة العربية. لإنه لن يكون اي مبرر للبقاء في الجامعة الميتة أصلا.
رغم الهزيمة العربية الرسمية في بيتهم الجامع، وإسدال الستار على النظام الرسمي العربي بالمعنى العملي بإنتظار تشييعه ودفنه إلى غير رجعة، بيد ان القضية الفلسطينية، التي طعنت بخناجر العرب امس، لم تهزم، ولن تهزم، وستبقى بوابة العرب، وعنوانهم الأمثل لمقاومة المشروع الصهيو أميركي، لإنهم يدافعون عن انفسهم، وعن امنهم القومي، وعن مستقبل اجيالهم القادمة، وعن مشروعهم القومي النهضوي.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

عن abdullah

شاهد أيضاً

أمريكا وإدماج ” إسرائيل “…. قوة للسعودية …. ام إستهداف لها ولفلسطين ؟

أمريكا وإدماج ” إسرائيل “…. قوة للسعودية …. ام إستهداف لها ولفلسطين ؟ بقلم / …