إنتهى دور الجامعة العربية بقلم :عمر حلمي الغول

دون شطط، أو غضب وإنفعال، وبعيدا عن لغة الردح والشتائم والصراخ، وبهدوء وموضوعية يتوجب علينا قراءة تداعيات التطبيع العربي الرسمي المجاني مع دولة إسرائيل الإستعمارية، وبالإستناد إلى لغة الحوار العلمية، والوقائع الناجمة عن التطبيع المجاني المعلن وغير المعلن، وعلاقة ذلك مع الأمن القومي العربي، ومرتكزات السياسة العربية، ودور الجامعة كمؤسسة رسمية ناظمة وبيت لإهل النظام الرسمي، وبلوغ الإستنتاجات السياسية الواقعية، والتي تخدم المصالح المشتركة الوطنية والقومية.
ودون العودة للتاريخ البعيد زمن التأسيس، وخلفيات إقامة الجامعة، ومن هي الدولة الإستعمارية، التي اسهمت في بنائها )بريطانيا)عام 1945، لكن لا بد من تدوين نقطة إرتكاز اساسية في آليات إتخاذ القرار فيها، ودور دولة المقر، أو الدول النافذة عبر المال السياسي، او غيرها من عوامل التأثير في صناعة القرار الرسمي العربي. وهنا تجدر الإشارة إلى ان جامعة الدول العربية لم يحكم سياساتها ميثاقها ومرتكزات السياسة العربية، وانما دور ومكانة الدولة او التحالف العربي النافذ فيها وفقا لموازين القوى في هذة اللحظة او تلك. ولهذا شاهدنا قرارات وسياسيات الجامعة ما بين الصعود والهبوط إرتباطا بالقوة الممسكة بمقاليد الأمور، حتى وصل الأمر في سنوات ما بعد ما يسمى “الربيع العربي” إلى تمكن دول صغيرة الحجم والدور بالمال السياسي من ان تلعب دورا محوريا في تقرير السياسات العربية، لإنها كانت مدعومة من دول مركزية في المنظومة العربية، وايضا مدعومة من الولايات المتحدة مباشرة، وبشكل غير مباشر من قبل دولة الإستعمار الإسرائيلية. ومازالت الجامعة حتى اللحظة الراهنة اسيرة ومرتهنة للدول القزمية، المدعومة من دول مركزية.
وكل ذلك حدث مع تراجع مكانة ودور الأنظمة الوطنية والقومية العربية الحاملة للواء القومية، وتحديدا حدث التراجع العميق في دور الجامعة بعد توقيع نظام السادات إتفاقية كامب ديفيد مع دولة الإستعمار الإسرائيلية عام 1979، وبعد زيارة الرئيس المصري عام 1978 لإسرائيل، وتدشين مرحلة التطبيع المجانية، وإنفراد إسرائيل بالدول العربية، وعلى حساب العمل المشترك. ثم تعمق التراجع مع إجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 للقضاء على منظمة التحرير في ظل صمت عربي رسمي مريب إستمر 88 يوما، وبعد ذلك ما حملته قمة عمان في نوفمبر 1987 عشية الإنتفاضة الكبرى 1987 / 1993 من قرارات لا تمت للمواقف والثوابت العربية، ثم إجتياح العراق للكويت عام 1990، وما تلا ذلك من عدوان وإحتلال أميركي بريطاني ثلاثيني للعراق شاركت فيه دول عربية وازنة بذرائع واهية 2003. تلك كانت محطة فاصلة في صيرورة النظام السياسي العربي، حيث تم عمليا تفكك بنيته السياسية، وتراجع شكل ومضمون التكامل والتعاون العربي الرسمي إلى ان وصل بيت العرب المركزي إلى مرحلة الموت المعلن، ولم يعد يحمل أي ركيزة من ركائز السياسات العربية الجامعة، وكانت آخرها مبادرة السلام العربية، التي اقرتها قمة بيروت العربية عام 2002، والتي تخلى عنها العرب قبل التطبيع المجاني الرسمي والمعلن الإماراتي الإسرائيلي في الثالث عشر من آب/ اغسطس الماضي، ثم ولوج مملكة البحرين لعملية التطبيع المجانية اول امس الجمعة الموافق 11 ايلول / سبتمبر الحالي (2020)
نعم حصل الإنقلاب على مبادرة السلام العربية قبل ذلك بسنوات، وحتى قبل ما يسمى بالربيع العربي، اي قبل 2011. لإن العديد من انظمة الخليج المرتهنة لسياسة الولايات المتحدة، خضعت لإملاءاتها، ونسجت علاقات مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وتمت بينهم زيارات متبادلة سرية، وجرى تنسيق على اكثر من مستوى وصعيد. وعمليا تخلت وإنقلبت تلك الدول الخليجية على مرتكزات واولويات المبادرة العربية، وعلى قرارات القمم العربية والإسلامية. ولم يعد هناك ضابط يلزمها. لإن الدول المركزية في المنظومة العربية سبقت الجميع في التطبيع، وكانت للأسف تسوق التطبيع، وتغطي عار الأنظمة الضعيفة، والقزمية، والتي لا تملك اية مقومات للبقاء إلا من خلال دفع الجزية السنوية للبنتاغون ولإسرائيل ولدول الغرب الرأسمالي، وقبلت قلب المعادلات السياسية المركزية، وانحرفت البوصلة العربية 360 درجة.
بإختصار ودون إستفاضة ما حصل في الإمارات والبحرين وما سيحصل غدا او بعد شهر او اقل او اكثر، لم يأت من فراغ، وانما جاء بعد سلسلة طويلة من هزائم العرب، وإنحدار سياساتهم، ومع إعتقادهم ان القيادة والمشروع الوطني الفلسطيني بات في “اضعف لحظاته”، وبالتالي لن يؤثر الموقف الفلسطيني في ردعهم، ولا في ايقاف إنجرافهم وسقوطهم في مستنقع التطبيع المجاني. وعليه فإن اللحظة التي نعيشها الآن، واقصد الآن بالضبط، هي لحظة الحقيقة، التي تشير إلى ان النظام الرسمي العربي وصل لحظة الإنهيار، وبيت العرب الجامع لم يعد جامعا، وإنفرطت حلقات السلسلة العربية، وتدحرجت في المتاهة الصهيو اميركية. وغاب كليا موضوع الأمن القومي العربي، وسقط خيار التكامل الشكلي بين الدول العربية، ولم يعد هناك اي ضابط او ناظم للسياسات العربية، وكل بات يغني على ليلاه. وعليه فإن بقاء فلسطين في الجامعة العربية امسى عبئا عليها، ولم تعد الجامعة حاملا للمشروع الوطني، ولا لقضية العرب المركزية، ولا لإي قضية قومية عربية. وعليه لا يجوز تغطية عار العرب الرسميين بالبقاء في الجامعة. وآن الاوآن للنهوض بالعمل الشعبي العربي، والتنسيق مع الدول العربية التي لم تتورط في التطبيع المجاني والمتناقض مع مرتكزات واولويات مبادرة السلام العربية.
وهذة الخطوة تمثل روح الريادة والشجاعة الفلسطينية، والرد على اهل النظام من خلال كشف المستور في سياسات التطبيع الخيانية، ولا يجوز خشية الإرتدادات الرسمية، لإنها جميعها فاقدة الأهلية، ولم تعد ذات جدوى في اوساط الجماهير العربية. كما ان الشعب الفلسطيني، الذي خرج للمارد من القمقم عام 1987، سيخرج ليرد على كل اهل النظام الرسمي العربي، اضف إلى ان اللحظة العربية باتت حبلى، وآن آوان الولادة. لا سيما وان المخاض وصل إلى لحظة الذروة، والإنعطافة لإنبثاق نظام سياسي عربي جديد.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

عن admin

شاهد أيضاً

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة الشعب العربي الفلسطيني والعالم اجمع …