وداعا ابو باسم ….

وداعا ابو باسم ….


بقلم / عمر حلمي الغول ….

رام الله 2020/10/21 شبكة فلسطين المستقبل ….
لم التقيه في بيروت، رغم انها جمعتنا لبعض الوقت، حينما كان نائبا للدكتور انيس الصايغ، وقبله شقيقه الدكتور يوسف رئيسا مركز الأبحاث الفلسطيني، قبل ان يغادر للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1975. والذي وافاه الأجل فيها امس الثلاثاء الموافق 20/10/2020 عن عمر ناهز ال78 عاما. وقدر لي ان اتعرف عليه في ابو ظبي من اواسط التسعينيات عندما كان يشغل منصب المدير العام للمجلس الوطني الاعلامي. انه ابراهيم العابد، ابن قرية صفوريا، التي هُجر منها مع عائلته إلى مخيم نهر البارد، الذي ترعرع بين ازقته وحاراته، وتجثم حمل المعاناة مع اقرانه من الأطفال والشباب، حملة راية العودة للوطن، التي صقلت شخصيته وقدراته المعرفية والوطنية، ودفعته لإمتشاق سلاح العلم حيث التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، وتخرج منها عام 1963 من كلية العلوم السياسية وإدارة الأعمال. مما ضاعف من تعلقه بالإنتاج المعرفي، وقد اسهم في إنتاج العديد من الكتب والأبحاث حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إضافة لما انتجه من كتب ذات صلة بعمله في دولة الإمارات. كما حاضر في كليات الإعلام في الجامعات الإماراتية في العديد من الملفات السياسية والإعلامية وخاصة المسألة الفلسطينية، ام القضايا المركزية العربية.
ابو باسم شخصية تميزت بالتواضع والأدب، والإحترام والمثابرة في العمل، مما فتح امامه الدروب لتولى العديد من المواقع الإعلامية في الإمارات. ولم تنسيه المواقع نفسه للحظة. لذا حافظ على شخصيتة المحبوبة، والموثوقة والكفؤة، مما مكنه بالإضافة لإمتلاكه ناصية المعرفة الفكرية السياسية، والمهنية الإعلامية من إكتساب ثقة رؤسائه في العمل وخاصة شيوخ العائلة الحاكمة.
ورغم انه غرق في العمل الوظيفي في الإمارات، بيد انه لم ينسَ يوما فلسطين، وبقي مسكونا فيها، ومسكونة فيه، وجمع الراحل والقامة الوطنية والقومية الكبيرة، ابراهيم العابد بين المسألتين الوطنية والقومية، واعطى بقوة الإنتماء والوفاء لمثله، ولطموحه اعظم ما يملك من الطاقات والقدرات لتطوير العمل، فكان هو مؤسس وكالة أنباء الإمارات عام 1977، وتولى إدارتها حتى عام 1989، ثم عاد وتكلف بادراتها عام 1997. كما وتولى العديد من المهام القيادية في حقل الإعلام.
ابراهيم العابد كان رقما هاما ونوعيا في مجال عمله، وشكل حاضنة للأجيال الجديدة من الإعلاميين، فضلا عن انه كان نقطة إرتكاز وتجميع بين الكفاءات الإعلامية الفلسطينية والعربية في الوطن العربي وبلدان المهاجر الأوروبية، وحرص على تعميق التواصل معهم بالإتصال المباشر وغير المباشر، وإستقطاب الكفاءات الجديدة للعمل معه، او لمساعدتها في العمل، وتأمين الرعاية لمن يستحق. وفتح ابواب وزارة الإعلام والثقافة لكل رجال الإعلام والثقافة والمعرفة، وساهم في نشر الوعي القومي بين الأجيال الجديدة من خلال كتاباته وبحوثه السياسية، او توجيهاته لمرؤوسيه للكتابات الهادفة والمتميزة، وذات الصلة.
ابو باسم لم يتوقف لحظة عن الإنتاج المعرفي، ولا عن المتابعة الحثيثة لكل ما يصدر، وكان يتواصل معي بين الحين والآخر، يدعم ويشجع، ويدون ملاحظات، ويتصل عند حدوث تطورات تحتاج إلى تدخل من جهات الإختصاص هنا او هناك. وكان سعيدا جدا عندما زار فلسطين نهاية التسيعينات مع وفد إماراتي آنذاك. وشعر بالعزة والفخر وهو يهبط بالطائرة في مطار عرفات الدولي. كما لم يكن يترك شاردة او ورادة عندما نزور الإمارات إلآ ويشير لها، وينصح بما يراه مناسبا لتحقيق افضل النتائج من الزيارات.
رحل ابن صفوريا القرية البطلة والباقية ما بقي التاريخ والجغرافيا وكفاح الشعب الفلسطيني لتحقيق اهدافه الوطنية كاملة، رغم تهجير ابنائها إلى المنافي وفي داخل الداخل، وبقي يتنفس حق العودة، ويلهج باسمها، وبإنتمائه لها ولفلسطينيته، هويته الوطنية، التي لم ينسلخ عنها يوما. بل كانت دوما وابدا مفتاحية اي حوار مع كائن من كان أجنبيا ام عربيا او اي كانت جنيسة المحاور الآخر.
رحل ابو باسم وهو يكابد الغصة والألم، خنقته سياسات الإنبطاح والإستسلام لمشيئة دولة الإستعمار الإسرائيلية. لذا أعتقد ان ابن صفوريا رحل كمدا وغيظا مما جرى، ويجري من تهافت من قبل صناع القرار في دولة الإمارات. وكأن ملك الموت أدرك باليقين القاطع ان ابن صفوريا الفلسطيني العربي قرر الرحيل حتى لا يرى المزيد من العار والفضائح والإنسحاق العربي الرسمي امام غطرسة إدارة ترامب ودولة إسرائيل المارقة والخارجة عن القانون.
نعم رحل ابراهيم العابد، لكن سجله ونتاجاته المعرفية، ودوره الريادي في مجالات الفكر والسياسة والإعلام باقية ناصعة في سجل الخلود الوطني، رحمة الله على ابي باسم، ولروحه السلام، ولن ننساك ايها الصديق العزيز ابدا. نم قرير العين شعبك الجبار ومعه كل احرار الأمة العربية ونخبها سيعرفون عما قريب كيفية وقف الإنكسارات والهزائم الرسمية، ولن يسمحوا لفئة ضالة تلويث التاريخ وامجاد الأمة بعارهم ومذلتهم امام طغاة العصر.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

عن abdullah

شاهد أيضاً

أمريكا وإدماج ” إسرائيل “…. قوة للسعودية …. ام إستهداف لها ولفلسطين ؟

أمريكا وإدماج ” إسرائيل “…. قوة للسعودية …. ام إستهداف لها ولفلسطين ؟ بقلم / …