فاعلية الموازنة وأثرها على التنمية المستدامة

  • رام الله/ شبكة فلسطين المستقبل الإخبارية
    بقلم: تمارا حداد.
    بات موضوع التنمية المستدامة من المحاور ذات الأولوية للحكومات التي تسعى إلى تحقيق رفاهية لمواطنيها وتُعتبر الموازنة العامة إحدى الأدوات التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة وتلبية احتياجات الأجيال البشرية الحالية من جهة والمستقبلية من جهة أخرى، والموازنة خطة مالية مستقبلية تستخدم كأداة تخطيطية ورقابية لتتجاوز الأزمات التي قد تحدث مستقبلاً من خلال التركيز على تضمين الموازنات العامة مشاريع استثمارية قادرة على تحقيق عوائد مالية بشكل دائم لفترات طويلة حفاظاً على ثروة الأجيال القادمة وهو ما يُطلق عليه التنمية المستدامة، من هنا إعداد الموازنة يؤثر على متطلبات التنمية المستدامة، الأمر الذي يتطلب عملية التخطيط المبدئي والمسبق المبني على أسس علمية صحيحة لتؤدي نتائج واقعية وتحقيق التوازنات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والمرتبط بالتنمية المستدامة.
    تتصف العلاقة بين الموازنة والتخطيط في الواقع الحالي بضعفها للعديد من الأسباب حيث أن أغلب المؤسسات والبلديات ما زالت تُطبق “موازنة البنود” بالرغم أن الموازنة المُطبقة في الواقع الفلسطيني هي “موازنة البرامج والأداء” إلا أن تطبيقها بحاجة لتعزيزها بشكل فعال حتى تُحقق أهدافها، فعمل بعض المؤسسات الحكومية وفق الأسلوب التقليدي الذي لا يتلاءم وعمليات التخطيط التنموي هو يُضعف من الوصول الى التنمية المستدامة، كما أن عدم ترابط وضعف التنسيق بين التصنيف المستخدم في الموازنة والتخطيط والنظام المحاسبي أيضاً يُضعف عمل الموازنات، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين اجراءات إعداد الموازنة واجراءات إعداد الخطة التنموية، وعدم وضوح فلسفة التخطيط في الواقع الحالي مع غياب الاستراتيجيات، ناهيك عن ضعف التحصيل الضريبي الذي يُضعف من عملية التنمية بشكل عام.
    إن تطبيق موازنة البرامج والأداء بالشكل الفعال في كل المؤسسات والهيئات الفلسطينية يُسهم في تحقيق الأهداف التنموية كونه يتضمن الأسلوب وصف دقيق لكل مشروع ويتضمن قياس المدخلات والمخرجات ويساعد على قياس أداء الإدارة العليا والمفاضلة بين البدائل المتاحة لتحقيق أهداف معينة، وتعمل على ترجمة الأهداف العامة للوحدات الحكومية لأهداف محددة وواضحة وقابلة للقياس، ووضع الخطط والبرامج التفصيلية اللازمة لتحقيق الأهداف، وتحديد الأهداف التفصيلية للنشاط الذي يقوم به كل مسؤول في الجهة والتي تتدرج من الخطة الاستراتيجية الطويلة الامد ومن ثم وضع خطط العمل، وقيام كل مسؤول بتحديد الموارد اللازمة، وتحقيق التنسيق بين كافة المسؤولين، والتحديد الواضح لمسؤوليات الجميع، وإبراز الفرص المتاحة لخفض التكاليف، ووضع معايير أداء واضحة ومحددة لاستخدامها، وتوفير الأساس للرقابة على الأداء على مدى تحقيق الاهداف، ومن هنا اتباع اسلوب الموازنة البرامج والأداء أحدث نقلة حيث أصبح تقدير النفقات يتم في ضوء وحدات الأداء المتوقع تنفيذها ومن ثم يمكن حذف النفقات التي لا ترتبط بأداء الوحدة الحكومية فضلاً عن صياغة أهداف الوحدة في شكل برنامج يحتوي على برامج فرعية من أنشطة تحتوي على وحدات للأداء وعند صياغة البرامج والانشطة ووحدات الأداء يتم تحديد مراكز النشاط.
    ولما كانت فلسطين تعمل بموازنة البرامج والأداء فإنها مع تطبيقها الفعال ستعمل على تحقيق التنمية المستدامة، ولكن تستطيع أن تُحقق التنمية المستدامة اذا وصلت لمرحلة توازن الموازنة ومواجهة العجوزات والحد من الإنفاق بشكل عام والسعي الى زيادة الموازنة الاستثمارية كي يتم التوازن بين الانفاق والايراد وخلق فائض واستثماره في تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية .
    وهذا الأمر بحاجة لإدارة الموارد المتاحة ورسم سياسات وطنية عن طريق سياستين هما المالية والنقدية لتوزيع الدخل بشكل عادل عبر التوظيف الكامل للموارد لبلوغ أهداف تنموية واجتماعية لتحقيق العدالة، ويتم التعامل مع هاتين السياستين من خلال الموازنة العامة.
    حيث ان وظيفة الموازنة العامة تعمل على توفير موارد مالية لادارة شؤونها الداخلية والخارجية، وتعمل الموازنة العامة على انعاش الاقتصاد واشباع الحاجات المجتمعية والخدمات العامة وفق عدد من البرامج، ويجب ان تتواجد العدالة في توزيع الدخل من خلال التدفق الدائري للثروة الوطنية وتوزيع عناصر الإنتاج توزيعاً متوازناً، واستخدام الموازنة لتحقيق التوظيف الكامل والقضاء على البطالة عن طريق تنشيط المشاريع التنموية من خلال المشاركة بين القطاعين العام والخاص وزيادة الموازنة الاستثمارية لتأهيل القطاع العام.
    تعتبر الموازنة العامة أداة للدولة لتنفيذ سياساتها المالية بتحقيق الاستخدام الأمثل لموارد الدولة لتنفيذ سياساتها الاقتصادية عن طريق توظيف الايرادات والنفقات لزيادة النمو الاقتصادي واشباع الحاجات العامة للمواطنين وفق فلسفة نظام الحكم الاقتصادي، حيث من المهم الالتزام بالشفافية عند تهيئة وتنفيذ الموازنة بنشرها وتحليلها والثقة بها ومن ثم بيان اغراض وقواعد عمل السياسة المالية طبقا لمبادئ قانون الموازنة ومعرفة الخطط التنموية للدولة، وهذا الامر يقتضي إعداد موازنة تنموية استراتيجية وفق برنامج الخطة التنموية وتخصيص الايرادات لتحقيق الأهداف ومن المهم أن يكون المنهاج الوزاري والذي يرسم السياسة المالية والنقدية للحكومة والبرامج التنفيذية وفق برامج تنموية، ودراسة الموزانة بموضعتها في سياسات الموازنات المعتمدة بما يناسب مقتضيات التنمية المستدامة في مطلب أول وكيفية إعدادها كمطلب ثاني وتقييمها مطلب ثالث.
    لكن الموازنة في الواقع الحالي تعاني من اضطرابات تحد من القيام بوظيفتها التنموية لعدة أسباب:
    • لا يوجد توافق بين التخطيط التنموي وبين أهداف الموازنة الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الفرص التنموية نتيجة غياب التخطيط كعملية فنية وإدارية وسياسية في آن واحد.
    • أصبحت الموازنة ذات طابع سياسي الأمر الذي يحد من وظيفتها الاقتصادية والتنموية.
    • وجود المشاكل الإدارية داخل الوحدات الحكومية التي وقفت عائقاً أمام التنمية المستدامة.
    • كما عدم وجود سياسات لترشيد النفقات عرقل مهام الموازنة التنموية حيث لم تكن النفقات العامة في اطار استراتيجية تساعد على بناء القاعدة الاقتصادية المعطاءة بقدر ما كانت موجهة للانفاق الاستهلاكي غير التنموي، وفشل الموازنة العامة وبرامج التنمية وخططها في تنويع الهياكل الاقتصادية وتعدد مصادر النمو الاقتصادي وزياد المصادر المتجددة ذاتيا.
    • هناك مشاكل تتعلق بإعداد الموازنة العامة بعدم الدقة في تقدير الزيادة في النفقات والايرادات.
    • عدم توافر الامكانات المطلوبة لتمويل نفقات الحكومة المتزايدة.
    • انعدام الاستقرار السياسي بسبب الاحتلال.
    • قلة الموارد المالية والطبيعية نتيجة سيطرة الاحتلال على أغلب المناطق التي تحتوي على موارد طبيعية من مياه وغيرها.
    • كما أن غياب التشريعي وعدم فعالية الرقابة أدى إلى ضعضعة الدور التنموي للموازنة.

حلول مقترحة لتفعيل الموازنة وتحقيق أثرها التنموي:
1. قيام مُعدي الموازنة باتباع المنهج العلمي في بنائها وان يتم في ضوء المشكلات والتحديات التي تواجه الواقع الفلسطيني أي أن ينظر الى الموازنة العامة بكونها أداة لتحقيق التنمية المستدامة وليس بكونها أداة للاستهلاك.
2. اجراء الإصلاحات الادارية للموازنة العامة من خلال التطبيق الفعال وليس النظري لنمط موازنة البرامج والاداء وتطويره وصولاً لتبني الموازنة الموجهة بالنتائج من اجل ضمان انتاجية وكفاءة الانفاق العام علاوة على تبني الخطط الكفيلة بإصلاح سياسة الايرادات العامة.
3. يجب ان ينسجم إعداد الموازنة مع التطورات الحاصلة في الحجم الموارد والانفاق، لتحسين في حجم المبالغ المرصودة للمشاريع الاستثمارية والتي تمكن الاجيال القادمة من الاستمرار في التنمية، ومن المهم اتباع الاساليب الحديثة لتقدير المصروفات العامة في نظام الموازنة العامة للدولة وتقليل الهدر والاسراف فيها واستثمار الايرادات العامة للدولة في المشاريع الاستثمارية والمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية ضماناً لمصلحة الاجيال القادمة، وفق نظام يخدم ويحقق للاغلبية الساحقة من افراد المجتمع مستوى عيش كريم، من خلال تفعيل وتطبيق بكفاءة وفاعلية لموازنة البرامج والاداء وتصميم برامج قادرة على تحقيق الاهداف المراد تحقيقها.
4. تفعيل الدور الرقابة الخارجية من قبل ديوان الرقابة المالية والادارية للتحقُق من إعداد الموازنة بشكل سليم وتفعيل الرقابات الأخرى مثل الرقابة الادارية وهي الذاتية بتعزيز انتماء الموظف خلال العمل، وتعزيز الرقابة القضائية التي تعمل على التأكيد أن الاعمال الادارية من بينها إعداد الموازنة بأن تطبيقها بشكل لا يتنافى عن مبدأ المشروعية بمعنى التأكد ان الموازنة تُنفذ وتُعد وتطبق بشكل يتماشى مع القانون حتى لو كان هناك غياب للتشريعي فهناك أدوات رقابية أخرى سدت فجوة غيابه.
5. من المهم دعم القطاعات الانتاجية، وإنشاء صناديق انمائية للأجيال القادمة، وإدخال التكنولوجيا الحديثة وإنشاء قاعدة معلومات تربط ما بين الأجهزة الحكومية وجميع الوزارات وذلك لتوفير وايصال المعلومات المرتبطة بإعداد الموازنة وتنفيذها بالوقت اللازم، واعداد الموازنة استنادا إلى دورها الأساس في تحقيق التنمية المستدامة من خلال توجيه الموازنة الاستثمارية لتطوير البنية التحتية، ووضع أدوات سليمة لتقدير لاحتياجات الأجهزة الحكومية، ومن المهم الأخذ بآراء الاكاديميين والبُحاث، كما أن شراكة القطاع العام والخاص وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، من المهم تعزيز كفاءة تعبئة الموارد المحلية ليوفر التمويل اللازم ليمثل مصدر ثابت لتمويل التنمية، وتعبئة الموارد من خلال اعتماد نهج واضح ومنهجي يمكن التنبؤ به ومنسق لتعبئة الموارد المالية واستخدامها وادارتها ومراقبتها وتقييمها بحيث تكون متاحة بطريقة مستدامة لتنفيذ مختلف البرامج المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة، ومن المهم عمل الاصلاح الهيكلي والنمو الاقتصادي التحولي، واصلاح السياسات المالية وترشيد الانفاق وزيادة الضرائب، وحوكمة إدارة الدين.
6. يجب تحقيق الاصلاح الاقتصادي والمالي وتوفير الاستدامة المالية لمعالجة العجز في الموازنة من خلال التحول من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد متعدد الموارد من خلال تأهيل النظام الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي ورسم سياسات تنموية بانعاش المنتج الوطني، وحوكمة الموازنة بتوفير قاعدة بيانات حقيقة وصحيحة لبناء موازنة على درجة عالية من الافصاح والشفافية وتأهيل الكادر المسؤول عن اعداد الموازنة لتحقيق التوزان الاقتصادي وتنفيذ برنامج الحكومة وفق متطلبات الخطة التنموية، والتوقف عن الاقتراض الذي يحد من التنمية المستدامة.
ختاما: الموازنة العامة ليس توازناً حسابياً فقط بل ينبغي ان تُعد بموجب المفهوم المزدوج للموازنة وهو التوازن الحسابي بين الايرادات والنفقات من جهة والتوازن الاقتصادي من جهة أخرى وهو التناغم بين حُكم الانفاق العام وحجم ما يقدم من تخصيصات لزيادة الموازنة الاستثمارية لإعادة تأهيل البنى التحتية وتنمية الموارد البشرية ورأس المال الاجتماعي لتخفيف شدة الفقر ومكافحة البطالة والضمان العيش الكريم للمواطنين.

عن Allam Obaid

الصحفي علام عبيد

شاهد أيضاً

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة الشعب العربي الفلسطيني والعالم اجمع …