رام الله/ شبكة فلسطين المستقبل الإخبارية
بقلم: حافظ البرغوثي
قبل حادث مقتل نزار بنات بخمسة أيام على أيدي عناصر أمنية أثناء إعتقاله لمساءلته عن أدلة على اتهاماته التي يبثها عبر اليوتيوب، كان هناك اجتماع لحركة فتح برئاسة السيد الرئيس أبو مازن، ولعل العبد الفقير لله يسمح لنفسه “لأنه كمن كان يقرأ ما سيحدث لاحقا” بنشر ما قلته حتى لا يقال إننا لم نحذر مسبقا، وبعد كلمة السيد الرئيس إستأذنت لأقول كلمة مقتضبة مفتتحا النقاش. قلت مقتبسا شعرا من الشاعر الراحل معين بسيسو:
فأنت إن نطقت متْ، وأنت إن سكتَّ متْ، قلها ومت.
وقلت مخاطبا الحضور القيادي “استحضر هذا الشعر لأنني سبق وقلته وكتبته ونشرته في سنة 2004 قبل مرض الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات بأشهر وقلت فيه “إن عرفات يعيش رهين المحبسين، محبس الإحتلال ومحبس الحلقة الضيقة المحيطة وبعضهم كانوا يتآمرون عليه “. بالطبع بعد نشري المقال ذهبت إليه وكررت على مسامعه ما كتبت، ومما كتبته أيضا “أنه إذا لم ينقلب ياسر عرفات على عرفات ياسر فإنه سيجد من ينقلب عليه وهم كثر “، ولم يغضب بل أطرق فيه مليا ولم يعلق فهو واسع الصدر يتقبل النقد وحتى الشتائم دون رد انتقامي. كان محاصرا وعاجزا ولا يملك حولا ولا قوة، فلم يستطع التغيير وأغتيل عرفات بعدها بأشهر لأنهم كانوا يعتبرونه عقبة في طريق السلام متمسكا بالثوابت الفلسطينية.
والآن قلت ناظرا الى السيد الرئيس “ما اشبه الليلة بالبارحة وحولك بعض الذين يتآمرون عليك وانت لا تغير شيئا رغم الترهل في هياكل السلطة وخضت معركة رفض صفقة القرن بشرف متمسكا بالثوابت. إن رأسك ليس هو المطلوب حاليا فقط بل ورأس فتح والمشروع الوطني الفلسطيني، فإذا لم نتغير وجدنا من يغيرنا والمتربصون بمشروعنا الوطني تجدهم الآن من الداخل والخارج عربيا واقليميا واحتلاليا. وبيت القصيد ان النظام الداخلي لا يحترم وتتخذ قرارات لا تتم مناقشتها، فإحترام النظام الداخلي يفترض مثلا ان يتم عرض اي قرار على المجلس الثوري ليناقشه ويصوت عليه وهذا لم يحدث مع الحوار الفصائلي في القاهرة، “بينما ناقشه مجلس شورى حماس ليومين ” ومسألة الانتخابات لم تعرض للنقاش او التصويت، بل اتخذ القرار بشأنها دون عرضها على برلمان فتح والا لما تم اقرارها ، فلو تم احترام النظام لما حدث في فتح ما حدث “أي الانقسامات”، فحركة فتح الآن في مهب الريح فإن لم نصلح احوالها الداخلية ونجري مصالحات داخلية ونحترم الصغير قبل الكبير فستذهب ريحها وتتلاشى ويتلاشى مشروع اقامة الدولة لأن من يعارضها لا مشروع لديه بل دويلة حزبية في غزة فقط على هامش صفقة كوشنر “.
بالطبع استمر النقاش والمداخلات من الأخوة التي شملت كل مواطن الخلل ومطالب الناس وقضايا الفساد، وبعد خروج السيد الرئيس من القاعة واستماعه الى النقد والمطالبة بإقالة بعض المسؤولين من وزراء وغيرهم.
عمليا اعلن السيد الرئيس عن قرارات باستدعاء 35 سفيرا واحالتهم الى التقاعد وتغيير محافظين وترتيب الوضع في القدس باعتبار ان فتح تتحمل مسؤولية مواجهة الاحتلال، والتشبث بحقوق الاسرى والشهداء ورعاية الجرحى حاليا وتحقيق مطالب وظيفية لأهلنا في غزة. وطالب الرئيس كل من لديه ملفات عن تجاوزات ان يقدمها لهيئة مكافحة الفساد فلا يجوز توجيه الاتهامات دون إثبات.
والآن اقول إن الهجمة الحالية ضد السلطة وتقاعسها عن اتخاذ التدابير الضرورية لإصلاح الخطأ الذي ادى الى مقتل نزار بنات وهو حادث منعزل في الأداء الرسمي، الا انها ستكون ضد فتح لاحقا، فقد انضم الى المحتجين الذين يطالبون بالإصلاح بعض من انصار فتح الذين يريدونها فتح الأبية التي تغير ما بها بيدها لا بيد عمرو، لكنهم وغيرهم لم يمارسوا التحرش بالأمن او صيحات التوجه الى المقاطعة فيما اوغل غيرهم من المناضليين اللفظيين والمؤلفة جيوبهم في الاستفزاز وظنوا ان فتح فريسة سهلة. ولسنا في وارد حماس وافاعيلها لركوب الموجة وبعض المتنطعين الفصائليين وبارونات المنظمات غير الحكومية الذين لم نرهم في اية مواجهات في الخان الاحمر وازقة القدس او بيتا وغيرها. فاذا كنا نطالب بتطبيق النظام الداخلي لفتح لضبط آلية اتخاذ القرار فان تطبيق القانون العام في هذه الجريمة واجب، ولعل الصمت المبدئي المطبق من قبل مسؤولين رسميين أكد عدم صلاحية كبار المسؤولين.
فالسلطة تنوء بالأحمال منذ سنوات وجهازها الاداري مختلط من كل شرائح المجتمع وانتماءاته واي إخفاق لها تتحمل وزره حركة فتح، وكان شعار فصل السلطة عن فتح رفعه القيادي الاسير مروان البرغوثي قبل اربعة وعشرين سنة ولم يؤخذ به، حتى لا تتحمل فتح مفاسد الحكم.
عمليا تنوء السلطة بأحمال ثقيلة فهي منذ تسلم الأقحب الأشهب الأصهب ترامب الرئاسة قطع عنها المساعدات ولوكالة غوث اللاجئين لمعارضتها موقفه من القدس وصفقة القرن التي ما كانت لتسقط لولا صبرنا وعناد الرئيس وثباته، وتوقفت ايضا المساعدات العربية كليا بأمر ترامبي، بينما فتحت خزينة قطر لحماس بطلب من كوشنر ونتنياهو للإبقاء على الانقسام حيا، وبقيت الدول الاوروبية التي تراجعت مساعداتها بفعل جائحة كورونا. ورغم ذلك زادت تكاليف السلطة وتراجعت ايراداتها من الضرائب الى 200 مليون دولار شهريا كلها من الضفة “بينما لا تحصل خزينة السلطة من غزة الا على عشرة ملايين شيقل شهريا” فيما ان المطلوب 200مليون دولار اخرى يتم توفير بعضها من البنوك كقروض مرتفعة الفائدة. ومن هذه الميزانية يتم صرف 40 بالمئة على غزة كرواتب وصحة وتربية وتعليم وشؤون اجتماعية، لأن حماس لا تقدم أيا من هذه الخدمات فهي معفاة منها منذ مشاركتها في غزوة بدر على ما يبدو، بل تمول نفسها من الضرائب والجباية غير الشرعية لخدمات لم تقدمها قط.
وحاليا باتت حماس تستورد الوقود من مصر وتجبي الفرق كما تجبي الكهرباء لخزينتها بينما يخصم الاحتلال فاتورة خطوط الضغط العالي لغزة من مستحقات المقاصة الفلسطينية. هذا الوضع الاقتصادي المتدهور كفيل بإنهيار السلطة دون مؤثرات خارجية وتسمين حماس، وهكذا وجدنا مقتل نزار صار كقميص عثمان كل يستخدمه لمآربه الخاصة ليس بينها صالح الضحية.