احموا الشرعيات من التغول الترامبي بقلم :عمر حلمي الغول

 

كل يوم يمر على البشرية تصطدم بخطيئة من خطايا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي أساء لمنظومة الحكم الأميركية، وللشعب الأميركي وللمنظومة الأممية الناظمة بمعايير نسبية للعلاقات الدولية. فضلا عن إدخاله أميركا في حروب شتى بسبب وبدون سبب، وخارج معايير وأحكام المصالح الأميركية الحيوية.
نعم الولايات المتحدة منذ وجدت وهي تمارس البلطجة، وتعتدي على مصالح وحقوق الشعوب. لكنها كانت في ظل الرؤساء السابقين تراعي بهذا القدر او ذاك القانون الدولي ولو شكليا، ولم يجاهر رئيس من السابقين بالتغول علنا على البشرية، بل كانت الإدارات تلجأ لإساليب المناورة، وإستخدام مقولات لا تمت بصلة لسياساتها، مثل حرصها على “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” و”دعم السلم الأهلي” هنا او هناك، وحتى كانت جزءا من مجمل الإتفاقات الأممية، وتقدم الدعم والإسناد لكل الهيئات والمنظمات الدولية. لا سيما وانها هي ذاتها صاحبة المبادرة بتشكيل الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية 1945، ومع إنتفاء دور عصبة الأمم.
غير ان الرئيس الأفنجليكاني المتغطرس والنرجسي تجاوز كل القيم والقوانين والمعايير الأميركية والعالمية، وضرب عرض الحائط بمصالح أميركا ذاتها، وحلفائها، وشعوب المعمورة قاطبة. وآخر فضائحه وحماقاته تمثلت في يوم الخميس الماضي الموافق 11/6/2020 بالهجوم على محكمة الجنايات الدولية، وفرض عقوبات عليها، وحرمان أعضائها من الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة بذريعة انها ستحاكم ضباط وجنود أميركيون إرتكبوا جرائم حرب. وهذة هي مسؤوليتها، التي شكلت من اجلها.
لكن ترامب بالتنسيق مع نتنياهو الفاسد، الحاكم الفعلي لدولة الإستعمار الإسرائيلية لجأ لإسلوب البلطجة، دون مراعاة للحد الأدنى من اللباقة والديبلوماسية لتهديد هيئة قضائية أممية وازنة، لها مكانتها ومصداقيتها في اوساط العالم، وهي محكمة الجنائية الدولية. غير ان رئيس مجلس الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، أو –غون كوون، رفض الإجراءات الأميركية (وفق ما نشرت وكالة سبوتنك)، واضاف إن هذة السياسة مضرة “بالجهود المشتركة لمكافحة الإفلات من العقاب، وتأمين المساءلة عن الجرائم الخطيرة.” وأضاف “سوف ادعو إلى عقد إجتماع طارىء لمكتب الجمعية الأسبوع القادم لنبحث في كيفية تجديد دعمنا الثابت للمحكمة.” وتابع قائلا ” وأدعو كل الأطراف وكل المعنيين بنظام روما الأساسي إلى التشديد مجددا على إلتزامنا الراسخ بصون المبادىء والقيم التي كرسها نظام روما الأساسي، وبالدفاع عنها.” وهذا الحد الأدنى المطلوب من دول العالم كلها لحماية الصرح القضائي الدولي المتميز.
وعلى صعيد آخر قدم عضو مجلس النواب الأميركي عن حزب ترامب، مايك جونسون وبالتنسيق والتناغم مع رئيسه مشروع إقتراح للكونغرس بعنوان ” الإستراتيجية الأمنية الوطنية لتقوية أميركا ومواجهة التهديدات العالمية”، الذي يستهدف هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الأممية، ونشرت تفاصيله يوم الأربعاء الماضي الموافق 10 يونيو الحالي. وتضمنت الإستراتيجية الجديدة فصلا خاصا متعلقا بالسياسات الأميركية تجاه الأمم المتحدة بعنوان “تفعيل المساءلة وإصلاح الأمم المتحدة.”، والذي يعتقد أن هناك صعوبة في إصلاح الأمم المتحدة، ويعود السبب من وجهة نظره، إلى ان معظم الدول تقدم مساهمة مالية محدودة ومتواضعة، بينما أميركا تقدم 19% من موازنة الهيئة الدولية الأولى، وتابع مقترحا لمعالجة الأمر، ” انه يجب إعتماد مبدأ التمويل الطوعي للأمم المتحدة، وليس مبدأ الإلزام.” وأضاف صاحب الإقتراح: على الكونغرس أن يكلف الرئيس الأميركي بأن يضغط على الأمم المتحدة لتحويل آلية المساهمات للدول الأعضاء إلى المبدأ آنف الذكر.” ليس هذا فحسب، بل يريد ان “يكلف الكونغرس الخارجية بالرقابة على كيفية إستخدام الأرصدة الأميركية المقدمة للأمم المتحدة من قبل المنظمات الدولية التابعة لها، والربط بين حجم المساهمات، ومدى إستجابة الهيئات الدولية لشروط واشنطن.” ولم يتوقف عند خيار فرض الوصاية على الأمم المتحدة، وإنتزاع هيبتها ومصداقيتها كشرعية أممية، بل طالب ب”وقف التمويل الأميركي لعدد من الهيئات والوكالات الأممية، بما فيها البرنامج الإنمائي للهيئة العالمية، ومكتب شؤون نزع السلاح، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، والمجلس الخاص بتغيير المناخ، والإتفاق الطارىء للأمم المتحدة حول تغير المناخ.” وجميعها رفض الإملاءات الأميركية، ولم تذعن لبلطجة الرئيس المتغطرس.
كما هو مقتبس من المصادر الناشرة للإستراتيجية الترامبية الجونسونية، فإن ترامب يعمل بشكل حثيث على تصفية الشرعية الدولية، وتدميرها بشكل معلن أولا من خلال التحلل من الإلتزام بالإستحقاقات المالية المنوطة بها لدعم موازنة الأمم المتحدة؛ ثانيا من خلال فرض الوصاية عليها، وعلى هيئاتها الدولية، أو تنفيذ ما تمليه عليها من قرارات وتوجهات. النتيجة الحتمية لسياساته ومن والاه من الجمهوريين (حزب ترامب، وليس الحزب الجمهوري) وبغض النظر إن مرر الكونغر س المشروع ام لا، فإن ترامب ماض قدما لهدم البيت العالمي، وإطلاق العنان لقوانين الغاب، أو القبول بالتبعية الكاملة لخيار ومنطق ترامب في المؤسسات الشرعية الدولية، وهو يعلم ان ذلك مستحيل، ولا يقبل القسمة على اي دولة من الدول بإستثناء دولة الإستعمار الإسرائيلية واتباع اميركا المخصيين في العالم. لإنه أعد الإستراتيجية الجديدة لتخدم توجهاته وتوجهات الدولة الخارجة على القانون، اي الدولة الإسرائيلية.
هذة التهديدات والخطوات الترامبية الحمقاء تستهدف العالم ككل، وعلى قادة العالم في اوروبا والصين وروسيا واليابان والهند وكل دول العالم الصغيرة قبل الكبيرة تحمل مسؤولياتها لردع الطاغية الإفنجليكاني. والعمل على خطين متوازيين أولا تأمين الدعم المالي للهيئة الدولية، وحماية قضاة المحكمة الجنائية الدولية من بطشه، ثانيا الإتفاق على إعادة بناء الأمم المتحدة وفق معايير التحولات الدراماتيكية الجديدة في العالم، مع عدم التفريط بالإتفاقات والمعاهدات والقوانين والمنظمات الأممية المنبثقة عن الشرعية الدولية، لإنها جاءت نتاج جهد عالمي إيجابي، وفي اعقاب مخاضات بشرية عاصفة، ولم تأت من فراغ. وفي ذات الوقت نقل مقرها إما للصين أو لإحدى الدول الأوروبية او روسيا الإتحادية. اما البقاء في حالة الإنتظار فهذا يهدد البشرية برمتها، ولا يستقيم مع مصالح شعوب الكرة الأرضية.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

عن admin

شاهد أيضاً

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة الشعب العربي الفلسطيني والعالم اجمع …

اترك تعليقاً