التأويل رؤية مغايرة للنص الشعري.. قراءة في كتاب “سيميائية النص: دراسة في شعر خليل حسونة”

غزة/ شبكة فلسطين المستقبل الإخبارية
الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

اهدانا الكاتب المبدع النشيط ثقافيا محمد جلال عيسى كتابه الجديد “سيميائية النص دراسة في شعر خليل حسونة” الصادر عن دائرة الطباعة والنشر في مركز تجوال للثقافة والفنون بغزة عام 2020. وهي دراسة نقدية تقع في 203 صفحات من القطع الكبير، تتناول جانبا من أشعار الشاعر والكاتب والروائي خليل حسونة بمنهجية جديدة في الرؤية والطرح مستخدما السيميائية في تحليل النص الشعري. يقول في مقدمة الكتاب: “تناولت هذه الدراسة أبرز العلامات والاشارات التي وظفها خليل حسونة في قصائده وأشعاره، فالعلامة من أهم السبل إلى انتاج الدلالة وتداولها، وذلك لقدرتها على الوصول إلى أغراض أو استنتاجات مبهمة غير ظاهرة لإبراز مضمون النص، فالسيميائية تعطي ادراكا بأن المعنى والغرض ليس ما هو موجود في السطور وانما نحن نولد هذا المعنى من خلال الدوال التي يوظفها الشاعر”.
لقد كان ظهور منهجية السيميائية على يد دي سوسير في فرنسا، وانتقالها إلى البلدان الأخرى انفتاح جديد على النص الأدبي، ورؤية جديدة في قراءة النص في سياقه اللغوي، بما يضمن الانفتاح على خبرات غائبة في ضوء الخبرات الظاهرة، كما يستهدف انفتاح التدريس والتحليل على الإشارات والأحداث بوصفها علامات تحمل معنى، مع ما يصاحب ذلك من استكشاف العلاقات الدلالية للمضمون بما ينمي القدرة على الإبداعية والنقدية. وقد تعددت التعارف لهذا المنهج باختلاف رؤية النقاد والدارسين ولكنها لم تخرج عن علائقية الاشارات والرموز أو العلامات في الكشف عن دلائل النص.

وقد افتتح الباحث دراسته بتقديم تعريفا للسيميائية من كل جوانبها ورؤية النقاد والدارسين لها حسب بيئتهم ورؤيتهم. وفي نشأة المنهج أكد أنها تعود إلى أكثر من ألفي عام من حيث دلالات الكلمة ومدلولها في علوم اللسانيات عند العرب، بل تغوص في أعماق التاريخ حينما اعتمد الانسان الأول على علم الاشارة في التخاطب والتفاهم، ومع انتقال علم الاشارة أو العلامات إلى الدراسات الحديثة تعددت الرؤى، وحسب الكاتب “لكل تحليل أدبي منهجه واتجاهاته ومجالاته التي تجبر الأديب أو الناقد أو الدارس على اتباعها في تحليله للنصوص، فعند دراسة العلامات في النص الأدبي نجد أن دلالاتها تختلف نظرا لاختلاف تفسيرات الدارسين لهذه العلامات، الأمر الذي أدى إلى تعدد الاتجاهات السيميائية”، ومن هذه الاتجاهات التي يذكرها: السيميائية التواصلية، والدلالية، والتداولية، والثقافية. أما عن مجالات تطبيق السيميائية فهي أيضا متعددة، فقد استطاعت السيميائية الولوج إلى الكثير من العلوم الانسانية والمعارف الأدبية والثقافية.

جاء الكتاب في ثلاثة فصول، وكل فصل يضم عددا من المباحث، ويقرأ في كل فصل جانبا من العلامات الدالة في شعر خليل حسونة من خلال أعماله الشعرية التالية: ناسوت (2013)، وطينتي وجعك عناة (2013)، وعبر العيون الفاطمية (2014)، وليس إلا (2014)، ومبتدأ وخبر (2014).

يبدأ في الفصل الأول بالحديث عن “سيميائية العنوان ودلالاته في شعر خليل حسونة” ويشتمل على مبحثين؛ في العنوان الأساس، وفي عناوين القصائد. يقصد الكاتب بالعنوان الأساس هو عنوان الديوان نفسه الذي يشتمل على كل القصائد، في حين يتوزع الديوان على قصائد عدة تحمل كل واحدة منها عنوان. وهنا يتناول الباحث تحليل العنوان من الجهتين على قاعدة أن العنوان هو مفتاح الدخول إلى عام النص وتفكيك رموزه ودلالاته وتأويلها، كون هذا العنوان يشكل اشارة لغرض الكتاب أو لما يحمله النص من معان. ويعرف الباحث العنوان: هو الرمز الذي يبتكره الشاعر للإشارة لما في النص من معان ودلالات يهدف الشاعر إلى ايصالها للقارئ، وفي الوقت نفسه يثير لديه الحساسية والفضول لقراءة النص، ويمكن أن ينفره منه، فهو الأساس لاقتحام النص باعتباره هوية للنص”. ويخلص الباحث من دراسته لهذا الفصل “إلى أن بناء العنوان عند الشاعر خليل حسونة استند إلى أنواع العنوان ووظائفه، بناء على المخزون الثقافي للشاعر الذي يمنح العنوان رؤيته الشعرية المعبرة، وايحاءاتها الفنية التي تجعل النص أكثر قابلية للتأويل”.

ويتناول في الفصل الثاني “سيميائية الألوان ودلالاتها في شعر خليل حسونة” من خلال مبحثين؛ الأول يتناول الألوان الأساسية ودلالاتها في شعره، والثاني الألوان الثانوية الفرعية ودلالاتها في شعره. يمثل اللون دلالة رمزية ايحائية في الرؤية البصرية، فاللوحة الفنية تأخذ ابعادها الجمالية من الألوان وكيفية مزجها لتشكل تعبيرات اللوحة، كذلك على المستوى النفسي فاللون يعطى دلالة على الحالة المزاجية للشخص، وفي البعد الديني عبرت الألوان عن دلالات معينة ومحددة تنسجم مع السياق الديني، وانطلاقا من ذلك أخذت الألوان بعدها على المستوى اللغوي، حيث يري الباحث أن اللون وظف في مجالات مختلفة واتجاهات متباينة، فظهرت الألوان موضوعا لبعض النصوص التي تشير إلى قيم دلالية معينة،

بالإضافة إلى كون اللون ركيزة اساسية تقوم عليها الأبعاد الفنية في الصورة الأدبية، مما جعل الانسان في استعماله للغة يستبدل بعض التعبيرات والدلالات بعلامات أبرزها الألوان التي يبني عليها تصوراته ومدركاته”. وبناء على دلالات الألوان كما يعرفها ويغوص في تفسيرات الباحثين والدارسين، يبدأ في تقديم تفسيرات تلك الألوان كما جاءت في قصائد الشاعر خليل حسونة، وقد استطاع أن يحصى الألوان لديه كالتالي: الأحمر، والأزرق، والأخضر، والأبيض، والأسود، والبنفسجي، والفستقي، هذه الألوان تطفى جمالية على لغة الشاعر، وتعبر عن دلالات عميقة، وقد استطاع الباحث بجهد الناقد المتمرس تفسير جميع دلالات الألوان وفق رؤيته ولكنها تعبر عن مزاجية الشاعر ونفسيته، وذلك أن الشعر هو تعبير عما يدور في نفس الشاعر من أحاسيس وخلجات وايحاءات، ويسلط الضوء على كوامن النفس وأنواعها، وما تحمله من أفكار ودلالات عدة، كما يرى الباحث.
ويأتي الباحث في الفصل الثالث ليقدم “سيميائية المكان ودلالاته في شعر خليل حسونة” من حيث سيميائية الوطن، وسيميائية الأماكن المتعدة التي وردت في شعره. يؤكد الباحث أن المكان هو الاشارة التي توحي بالانتماء، وتدل على الهوية والتاريخ والتراث، وهذا المكان على مستوى الوطن يعني الفضاء الذي يكسب الفرد هويته وثقافته، الأمر الذي يجعل قضية الوطن محورا رئيسا في فنون الابداع والكتابة الشعرية عند الكثير من الشعراء. ونجد الشاعر خليل حسونة كان حريصا من خلال توظيفه للوطن على التأكيد على أهمية هذا المكان جغرافيا وتاريخيا واقتصاديا، ففلسطين كما يرى الباحث من خلال تحليله لقصائد الشاعر، لم تكن وحدها وطن الشاعر فحسب بل كان يراها تمثل مجد الدولة الاسلامية والعالم العربي ككل، مما يحول المكان عنده من المفهوم الجغرافي المادي إلى مفهوم نفسي، يتساءل من خلاله عن الزمن الذي يعيده لهذا المجد فيعود غلى وطنه.

وفي ما يتعلق بسيميائية الأماكن المتعددة، كانت تمثل لدى الشاعر فضاءات متعددة، كما يرى الباحث، ترمز إلى الحرية والانعتاق. وتمثلت هذه الأماكن في: الصحراء، الطرقات أو الشوارع، والبحر، ومن خلال قصيدة الشاعر تمكن الباحث من تقديم دلالات معبرة عن نفسية الشاعر ورؤيته لهذه الأماكن كعلامة دالة على الخلاص والتمرد ورفض المنفى والضياع.
لقد استطاع الباحث بما يمتلكه من أدوات نقدية ومخزون ثقافي تقديم رؤية سيميائية لقصائد الشاعر خليل حسونة، فهو كتاب قيم يحمل رؤية منهجية جديدة جديرة بالتقدير والاهتمام، واستطاع أن يحلل ويفسر المكنونات النفسية والاجتماعية لدى الشاعر، وأكد على دلالات الشاعر المنطوقة وغير المنطوقة.

عن Allam Obaid

الصحفي علام عبيد

شاهد أيضاً

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة الشعب العربي الفلسطيني والعالم اجمع …