كفى قرن ونيف من الاستهداف والأزمات ..!

كفى قرن ونيف من الاستهداف والأزمات ..!!

بقلم/ د. عبدالرحيم جاموس ….

الرياض / شبكة فلسطين المستقبل الإخبارية ….

جملة قد تلخص تاريخ فلسطين وشعبها وكذلك تاريخ الدول العربية (قرن ونيف من الاستهداف والأزمات) ولازل الاستهداف قائما والأزمات تتناسل وتتزايد دون ظهور ابسط البوادر لتوَقف الاستهداف من قبل الاستعمار الكلونيالي العسكري الاستيطاني القائم على التطهير العرقي والفصل العنصري في فلسطين ….

ما إن خسرت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، واحتلال القوات البريطانية القدس وفلسطين في يوم ٦/١٢/١٩١٧م حتى بدأ الاستعمار البريطاني الغربي تنفيذ خططه الإستراتيجية بإحكام قبضته على فلسطين خاصة والشرق العربي عامة في سياق التوافقات الإستراتيجية الاستعمارية لاقتسام مناطق النفوذ وتجزئة البلاد العربية الى كيانات منفصلة عن بعضها البعض وصناعة هويات إقليمية يصعب إعادة تجميعها وصهرها في هويتها القومية الأساسية، بل وضعها في حالةٍ من التناقض والصراع مع تلك الهوية الأساسية الجامعة وهي الهوية العربية الإسلامية الصاهرة لكافة مكوناتها الاجتماعية والإنسانية الروحية والمادية..، ما اوجد أولى الأزمات وجَذَرَها في الواقع والوجدان للإنسان العربي، وهي أزمة الهوية والانتماء ….. وتنازعها ما بين الانتماء الوطني والقومي والديني… وما نتج عن هذه الأزمة كان أزمة خطيرة تمثلت بحالة منَ التوتر الدائم وعدم الاستقرار لكافة الكيانات والدول التي رَسمت حدودها تلك الاتفاقات الاستعمارية السرية والمعلنة ، والموقعة بين الدول صاحبة الهيمنة والسيطرة والنفوذ على تلك الكيانات العربية من قبل دول الاستعمار الغربي المباشر ثم غير المباشر والذي استمر بصورة وأخرى … وكيفيات مختلفة للكيانات العربية الوليدة رغم إعلان استقلالها على فترات متلاحقة.. بعد الحرب العالمية الثانية …..

وذلك لتحقيق غرضين وهدفين رئيسيين الأول : وهو تسهيل عملية امتصاص ونهب خيرات وثروات البلاد العربية .. وإبقائها في دائرة التخلف الاقتصادي والتقني والمعرفي…

والهدف الثاني: يتمثل في بناء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين وترسيخه وتدعيمه ومن ثم العمل على دمجة مع المحيط العربي المجزأ والمقسم والمفتت كمكون أساسي من مكونات نظام المنطقة الذي يجري ترسيخة اليوم تحت مسمى نظام الشرق الأوسط الجديد  والتي تأتي موجة التطبيع الثالثة مع الكيان الصهيوني من قبل عدد من الدول العربية في سياق تنفيذه وما تبعها  من توقيع لسلسلة من الاتفاقات  معه  .

من هنا كانت فلسطين منذ بداية الحقبة الاستعمارية في دائرة الاستهداف المباشر من قوى الاستعمار لذاتها ……. ولما تمثله اتجاه المنطقة العربية بشرقها وغربها …….

كي تتحقق الأهداف الإستراتيجية الكبرى لقوى الاستعمار الدولي الغربي في عموم المنطقة المسماة بالعالم العربي من الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا…

وهكذا زرعت المستعمرة الإسرائيلية (الكيان الصهيوني) على ارض فلسطين ككيان استعماري وظيفي تعهدت وساهمت كافة الدول الغربية الاستعمارية من أوروبا إلى الولايات المتحدة على صناعته وتوظيفه خدمة لمصالحها المختلفة وأداة من أدوات صراعها للسيطرة على المنطقة العربية ونهب خيراتها … وتم إشراك قوى إقليمية أخرى وغير عربية في المنطقة في تنفيذ هذه الإستراتجية منها إيران قبل الثورة وبعدها والتي منحت أراض عربية على الضفة الشرقية للخليج العربي تتجاوز مساحة فلسطين بعدة مرات (الأهواز أو عرب أستان) ثم تركيا العلمانية التي منحت لواء الإسكندرونة والذي أيضا تزيد مساحته عن مساحة فلسطين..

إن هذه الإستراتجيات الاستعمارية التي لازال العالم العربي والمواطن العربي يئن تحت وطأتها ونتائجها كما الدول والكيانات العربية التي لم تستطيع بعد عقود طويلة من إعلان استقلالها أن تنجح في بناء الدولة الوطنية المستقلة وان تحقق التنمية والرفاه الاقتصادي لشعوبها والأمن والاستقرار وإنضاج مفهوم المواطنة وما يترتب عليه للمواطن من حقوق وواجبات …..

وهما الشرطين الأساسيين الواجب توفرهما في الدولة لتحقيق صفة الدولة الناجحة وتحقيق معنى الآية الكريمة (فاليعبدوا رَبَ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف)…..

إلا أننا إذا حاولنا أن نقارب هذه المفاهيم والشروط على اغلب الدول والكيانات العربية نجدها غير متوفرة فيها أو تفتقد لبعضها على الأقل …

فنكون أمام دول قد افتقدت أسباب النجاح ولازالت تعيش جملة من الأزمات أدت إلى وضعها في خانة الدول الفاشلة ..!

لذا فإن هذه السياسات التي تعرضت لها الدول العربية والاستراتيجيات الاستعمارية التي استهدفت فلسطين الأرض والشعب منذ قرن ونيف من الزمن جعل حياة فلسطين وشعبها مسلسل قرن من الأزمات المتوالية والمتناسلة …

ولم يُسلم او يَستَسلِم الشعب الفلسطيني لهذه السياسات والإستراتيجيات الاستعمارية الغربية الصهيونية بل واجهها بمختلف الوسائل ولازال في حالة اشتباك يومي دامٍ وسياسي ….. ويأخذ أشكال وأساليب متعددة منذ بداياتها الأولى والى الآن والى ان تتحقق هزيمتها بالكامل ……

إن هذا الصراع مهما حاولنا ان ندعي إمكانية التوصل فيه إلى حلول وسط … تأتي التحولات والمتغيرات والمواقف لتكشف عن طبيعته العنصرية والمرتكزة إلى سياسات التوسع و التطهير العرقي والفصل العنصري بأجلى صوره … !

ليصبح الصراع بين المستعمرة الإسرائيلية (الكيان الصهيوني) والشعب الفلسطيني.. صراعا وجوديا لا حدوديا …

ونظرا لكون فلسطين جزءا لا يتجزأ من نسيج العالم العربي وتمثل القلب منه … في موقعها الجغرافي والروحي والمعنوي ..

فهي بلا أدنى شك تؤثر فيه وتتأثر به إلى حد يصعب الفصل بينهما مهما حاول البعض ادعاء ذلك …

إن الأزمات العربية المتدحرجة منذ بداية القرن العشرين والى اليوم في ظل غياب الوحدة والتنمية والأمن والاستقرار وبناء الدولة الوطنية الناجحة تعكس نفسها وبصورة آلية على فلسطين وقضيتها وشعبها ومستقبل قضيتها ومستقبل صراعها مع المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني …

نخلص إلى أن وضع فلسطين وقضيتها ومستقبلها هو مؤشر على حالة العالم العربي قديما وحديثا … فعندما تتغلب الدول العربية على أزماتها ومشاكلها وتصبح على درجة عالية من الأمن والاستقرار والتطور والاستقلال تصبح فلسطين وعاصمتها القدس معافية من الأزمات وحرة ومستقرة وجزء لا يتجزأ من عالم عربي حر ومستقل وخارج عن هيمنة ونفوذ أية قوى استعمارية كانت إقليمية او دولية شرقية أو غربية ….

لذا فلسطين وشعبها في الوطن أو في الشتات لازالت ترزح وتئن تحت وطأة أزمات متوالية …

نتيجة طبيعية لاستمرار هذا العدوان الذي يستهدف الكل العربي في نهاية المطاف دون هوادة ….

إن  جميع الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني يدفعون اليوم  فاتورة هذا العدوان الاستعماري الغربي الصهيوني  المستمر منذ قرن ونيف من الزمن ، فلابد  من وضع نهاية لهذا الوضع المؤلم  وإنهاء حالة التمزق والتشتت بل والتصادم البيني  ، وتوحيد المواقف والسياسات  العربية  لمواجهة جملة الأزمات وجملة التحديات الإقليمية والدولية  التي تعصف بالدول العربية وبالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة …!

د. عبدالرحيم محمود جاموس

رئيس المجلس الإداري للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

عن abdullah

شاهد أيضاً

أمريكا وإدماج ” إسرائيل “…. قوة للسعودية …. ام إستهداف لها ولفلسطين ؟

أمريكا وإدماج ” إسرائيل “…. قوة للسعودية …. ام إستهداف لها ولفلسطين ؟ بقلم / …