مقال:د.عاطف أبوسيف ملاحظات ديمقراطية

 

 

 

رام الله_شبكة فلسطين المستقبل الإخبارية:-

مقال:د.عاطف أبوسيف
ملاحظات ديمقراطية

يمكن من خلال متابعة ما يجري في الانتخابات الفلسطينية القادمة تسجيل مجموعة من الملاحظات المهمة. تنبع هذه الملاحظات ممّا يجري على الساحة الفلسطينية الراهنة، ومن طبيعة العملية الانتخابية، وبالتالي لها أثر كبير على مخرجاتها. هذه الانتخابات الثالثة في عمر السلطة الوطنية الفلسطينية وكان يمكن لها أن تكون السابعة، وهذه قضية أخرى. وفيما سيطر على الانتخابات الأولى تنظيم واحد بسبب مقاطعة معظم التنظيمات الكبرى في ذلك الوقت وبذلك سيطر على مقاعد المجلس، فقد احترب التنظيمان الكبيران وتصارعا على مقاعده في الانتخابات الثانية، ولم تعكس نتائج الانتخابات حقيقة الحجوم الجماهيرية في الشارع، الأمر الذي عكس نفسه في الصراع الميداني. وكما يبدو، فإن المجلس بهيئته القادمة سيكون مختلفاً قليلاً أو كثيراً. فمن المؤكد أنه سيشهد بعض التمزق في مكوناته بصعود كتل صغيرة جديدة أو معادة التكوين. وسيكون لطبيعة النظام الانتخابي الجديد السبب الأكبر في ذلك. جزء من هذا تدني نسبة الحسم التي تم التوافق عليها بحيث صار تجاوزها سهلاً، وصار بمقدور أي مجموعة من الناشطين أو مَن يملكون المال أو يستجلبونه من مصادر خارجية أن يشكلوا فريقاً وتكون غايتهم أن يفوز رأس القائمة أو اثنان معه على أكثر تقدير بالمقاعد. لذلك سيكثر تشكيل القوائم لأن ركوب القاطرة سهل.
أيضاً، فإن اللجوء للتمثيل النسبي الشامل سيكون موضع تساؤل بعد النتائج. مفهوم ذهاب التنظيمَين الكبيرَين لمثل هذا الإجراء الانتخابي، لكن غير المفهوم إذا كان ثمة تفكير في مستقبل العملية الديمقراطية حين تم اعتماده.
القضية الأخرى شبيهة بذلك، وتتعلق بارتفاع نسبة التسجيل للانتخابات. يحب البعض النظر للأمر على أنه ظاهرة صحيّة. وربما في بعض السياقات كانت كذلك، لكن ليس بالضرورة. الديمقراطيات المستقرة لا تشهد هذا الارتفاع بالمشاركة؛ لأن ثمة قناعات لدى المواطنين باستقرار النظام الديمقراطي، وأن عدم المشاركة ليس إلا ترجمة لهذه القناعة والرضا أن غاية أي حكومة ستنتج عن الانتخابات العمل من أجل الصالح العام. يتعلق هذا بالثقافة الديمقراطية وليس بالديمقراطية كممارسة. وجوهر ذلك أن المواطن سيتخذ القرار الصائب، وأن العملية الانتخابية ليست إلا تنافساً يسعى المشاركون فيه لتحقيق أعلى درجات من الخير العام. وبما أن الانتخابات ستأتي بعد أربع سنوات لا محالة، فإن المواطن يمكن له أن يعيد نصاب الحقيقة المرة القادمة.
عندنا يبدو أن «الفزعة» هي ما يبرر المشاركة الكبيرة وتحوّل الحزب إلى قبيلة جديدة هو ما يترجم هذه الفزعة. عموماً ومهما كان الحال، يمكن استثمار هذه الفزعة في توطين الديمقراطية، ويجب أن يكون هذا هو الحال.
وبقياس عمر نظام السلطة الفلسطينية بوصفه التمثيل الفعلي لمفهوم النظام السياسي في نطاق الجغرافيا الفلسطينية، فإنه وخلال أكثر من ربع قرن من الزمن، تم فقط إجراء الانتخابات مرتين، وهذا بالقياس لا يعكس حالة ديمقراطية بأي حال. بل على العكس يشير إلى غياب الديمقراطية كطريقة لتنظيم الحياة السياسية. وربما لا تغدو مفارقة أن تسمع أحدهم يقول بتهكم: الانتخابات الأولى استمرت لعشر سنين (1996-2006)، والثانية لخمس عشرة سنة (2006-2021)، أما الثالثة التي ستجري هذا الربيع فربما تستمر لعشرين سنة! لهذه السخرية ما يبررها. وربما لغياب اليقين حول أن تكون الانتخابات اللعبة الوحيدة في المدينة، فإن التدافع للوجود في البرلمان يبدو أكثر إغراء؛ لأنه سيعني التواجد في حلقات صناعة القرار لفترات طويلة. وإذا أمكن تخيّل أن الانتخابات القادمة، أي الرابعة، لن تجري بعد أربع سنين أو بعد أربع عشرة سنة، فإن هذا يعني أنها ستجري في سياقات يكون قد تبدل فيها شكل النظام السياسي، والقائمون عليه. يبدو هذا خيالياً لكنه منطقي. وإذا كانت التوجهات الذاتية هي التي ترسم صيرورة الأحداث والتغيرات الجماعية (بعيداً عن المدلولات الفلسفية لهذا)، فإن ما قد يبدو تزاحماً غير مبرر سيكون له كبير الأثر على فعالية أو عدم فعالية التكوين السياسي ومركباته لاحقاً.
من جانب آخر، من المهم القول: إن ما يجري في الانتخابات الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة ربما لا يعني كثيراً الفلسطيني الذي يعيش بالمخيمات في الشتات، وأن أجندة الصراع الانتخابي لن تكون حول من سيعيد اللاجئين، ولا من سيحرر من فلسطين أي منطقة أو إلى أي عمق، بل هي تفاصيل الحياة العادية التي تهم المنطقتين الجغرافيتين اللتين سيتمثل سكانهما في المجلس المرتقب. وبقدر ما أن هذا منطقي إلا أنه ليس منطقياً. سيغيب عن النقاش البرنامج السياسي الحقيقي الذي يتعلق بالقضية الوطنية. بضع الشعارات هنا وهناك ستلامس السؤال الوطني لكنها ستكون مجرد شعارات، ولن تكون الفصل في قرار الناخب، ولن تؤخذ على محمل الجد في الكثير من الأحيان. وبالنظر إلى الانتخابات السابقة يتعذر القول: إن القضية الوطنية وسؤالها الكبير كانا غائبين عن الدعاية الانتخابية، بل ربما كانت الشعارات التي تبناها البعض سواء أكانت زوراً وبهتاناً أم حقيقة هي الفيصل في نتائج الانتخابات. الأمر الآخر إذ كانت ثمة انتخابات للمجلس الوطني ستجري، وإذا كان ممثلو الضفة الغربية وغزة هم أعضاء المجلس التشريعي المنتخبون، وفق أجندات حياتية تتعلق بحياة الناس في البقعتين الجغرافيتين، فيما ممثلو الخارج سينتخبون (أو يتم اختيارهم ربما) وفق أجندة أخرى تلامس أكثر السؤال الوطني العام، أيبدو هذا عدلاً وصحيّاً؟ هل كان يجب فصل الانتخابات التشريعية عن الوطني؟ أظن أن ثمة حكمة في الإجابة بالإيجاب.
في الحالة الفلسطينية لن يصح القول: إن بعد العاصفة ثمة قوس قزح. الله أعلم.
ومع هذا، كل عام والمرأة بألف خير، ولها أن تحتفل بأن نسبتها ستكون أكبر في الانتخابات القادمة. وهذا أمر جيد على الأقل وبعض الفرح.

عن ali tuama

شاهد أيضاً

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة

صبرا وشاتيلا شاهدة على جرائم الاحتلال بقلم : سري القدوة الشعب العربي الفلسطيني والعالم اجمع …